← Back to portfolio

حوارٌ مع مايكل ساندل: في ثنايا الحديث عن الوباء، ماذا عن الصّالح العامّ؟

Published on

اضطرّت أمريكا للخوض في سجال فلسفيّ أخلاقيّ عميق، كما لم يسبق لها من قبل عبر تاريخها، جدالٌ حول ماهيّة الصّالح العامّ في خضمّ الجائحة العالميّة.

لعلّنا لن نصوغها كذلك، لكنّ كلّ التدابير الصحية والاقتصادية غير المسبوقة التي اتّخذها مسؤولو الدّولة المحلّيون والفيدراليّون إلى الآن بشكلٍ واسع، والتي ترتّبت عنها انتقاداتٌ كثيرة مرفوقة ببعض التّأييد، تعكسُ موقفنا الأخلاقيّ “الخفيّ” كأفرادٍ ومجتمع بل وأمّة، حول كيفيّة تحديدنا الخير والأفضل لغالبية النّاس، وحول كيفيّة تعميم الصّالح العامّ بأكبر قدرٍ من الرّحمة.

ولقد أصبح هذا الجدل يُطرح ويناقشُ بلغةٍ غريبة، لم تكن مألوفة لمعظمنا قبل أسبوعين، إحصاءاتُ الوباء، الفروقات الإقليمية، واختلاف تأثير التّحفيزات الماليّة* التي قد تبلغ تريلوني دولار بين ليلةٍ وضحاها على كلّ من الأغنياء والفقراء. وإن لم يكن كلّ هذا مزعجًا بما يكفي، فلدينا رئيسٌ يستخدم منبره “المتنمّر” على أوسع نطاق، ليؤرجحنا بين التّفاؤل والتّشاؤم، بناءً على مشاعره الغريزيّة.

من أجل تجاوز سطحيّات الجدل ومَواطن الغموض فيه، ولعلّنا إذّاك نتمكّن من الوصول إلى نتائج ما، قرّرت أن أتّصل ببروفيسور الفلسفة السّياسيّة بجامعة هارفارد مايكل ساندل، الذي شُوهدت سلسلة محاضراته عن العدالة** بشغف من طرف ملايين الطّلبة حول العالم. وهو يعكف على إنهاء كتابٍ عن “سبب فقداننا لحسّ الصّالح العامّ”.

توماس فريدمان: ما الذي تعنيه تماما بمصطلح “الصّالح العامّ”؟

مايكل ساندل: الصّالح العامّ هو أن نعيش سويًّا كمجتمع، أن نسعى نحو مُثلٍ عليا سويًّا، أن نتشارك المغانم والمغارم، أن يضحّي أحدنا من أجل الآخر، وأن نتعلّم سويّا كيف نحيا حياة لائقة. لعلّ هذا سيبدو بعيدًا جدًّا عمّا نراه في سياساتنا الحاليّة. لكنّنا نستطيع إخضاعه للنّقاش، مثل كلّ المثل الأخلاقيّة الأخرى. لا مانع من الجدل حوله ومعارضته أو موافقته.

حسنًا، إن كنّا سنتجادل حول مفهوم الصّالح العامّ، فكيف ستصف كلّ المواقف المتعارضة حاليًّا؟

فلنفكّر في هذين الشّعارين اللّذيْن يميّزان الجائحة: “التّباعد الاجتماعيّ” و “جميعنَا معنيّون”. ففي الأيّام العاديّة، يبدوان كأنهما يتحدّيان المثل الأخلاقيّة، أن ننعزل عن الآخرين ونختلي بأنفسنا. فلمجابهة هذه الجائحة، نحن نحتاج لهذا، أن نفصل أنفسنا جسديًّا عن أصدقائنا وزملائنا في العمل وذلك لحماية الجميع، ولمنع انتشار الفيروس.

أمّا من وجهة نظر أخلاقيّة، فإنّ الشّعارين يستدعيان مقاربتين مختلفتين للصّالح العامّ: أن نجابه الوباء بمفردنا، ويصدّ الواحد منا الأذى عن كلّ الآخرين، أو أن نجتمع سويًّا ونتعاون. ففي مجتمعات فردانيّة كالتي نعيشُ فيها، لم نعد نتكافل بما يكفي خارج أوقات الأزمات والحروب.

إنّ ما كان ينقص استعدادنا لمواجهة هذه الجائحة هو بالضّبط تراجع التّكافل في حياتنا الاجتماعيّة والسّياسيّة، مع قصور نظامنا الصّحي العام، وصعوبة الحصول على رعاية صحّية وإجازات مرضيّة مدفوعة الأجر. كلّ هذا جعل من التّرديد الطقوسي لشعاري “التّباعد الاجتماعيّ” و “جميعنَا معنيّون” لا معنى له.

انتشر جدلٌ كبير، خاصّة في بريطانيا قبل أن تُقترح ثلاثة أسابيع من الحجر، حول تطبيق “مناعة القطيع”. فلنعرّض الكثير من النّاس للفيروس، وننتظر أن يتعافى معظمهم ويختلطون مع المرضى، وستضعف هذه الكتلة من المتعافين ذوي المناعة الفيروس حين لا يجد أجسامًا أخرى تستضيفه. كيف تبدو الخيارات الأخلاقيّة في مواجهة فكرة “مناعة القطيع” هذه؟

أرى استراتيجة مواجهة الجائحة هذه -بأن نسمح للفيروس أن ينتشر بأقصى سرعته، على أمل خلق “مناعةٍ للقطيع”، مقاربةً شديدة القسوة شبيهة بالدّاروينية الاجتماعيّة، أين يكون البقاء للأصلح. وسيؤدّي ذلك لتسريع العدوى، وإنهاك خدمات الرّعاية الصّحية المكثّفة. وبينما يموت الأشخاص الأضعف، يكتسب الاقتصاد قفزةً نوعيّة في القريب العاجل.

أتوقّع أننا سنسمع قريبًا عن تحاليل التكلفة/والفائدة*** تخبرنا أنّ القيمة الماليّة لإنقاذ حياة واحدة باستراتيجية التباعد الاجتماعيّ أعلى ممّا يجب للحفاظ على وضع اقتصاديّ مستقرّ في ظلّ هذه التّقييدات. هذه مقاربةٌ “نفعيّة” بامتياز بعيدةٌ جدّا عن فكرة التكافل، الذي تدفعنا لبذل الرعاية والاهتمام بمن هم أضعف وأقلّ حصانة، بنفس القدر الذي نبذله للأقوى والأكثر مناعةً. كما أدرك، مع ذلك، أن لخبراء الصّحة العامّة سيناريو أقلّ قسوةً فيما هو قادم.


اقرأ باقي المقال، على موقع منصّة النّقطة الزّرقاء من هُنا

___________
By Thomas L.Friedman

From The New Work Times Opinion

Translation: Amira Bousdjira

Editing: Hafsa Bouzekri

Translation Copyrights: BlueDot


Subscribe to get sent a digest of new articles by Amira Bousdjira

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply.